القائمة الرئيسية

الصفحات

الهراطقة يعثروا البسطاء

بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 الـهراطــقة يـعثـــروا البســــطاء.

الهراطقة يعثروا البسطاء

 "إن لم تصيروا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 3:18) ثم قال: "الويل لم تأتي بواسطته العثرات" (مت 7:18) والأرتباط بين الطفل وعدم العثرة هي صورة الشر نفسه، فالله يأمرنا أن تكون في قلوبنا براءة الأطفال، وهي عدم الدخول في شركة الشر، فهناك فرق بين الخاطئ والشرير:

ـ الخاطئ: هو الذي يحمل ضعفاً ويسقط ويتوب.

ـ الشرير: هو الذي يحمل قلباً به حقد وكراهية وخصام، وتحزب، الذي يريد أن الآخرين يسقطوا عن قصد، الذي يريد أن يكون الآخر في حالة شر وخطية.

ولكن أصعب أنواع العثرات يقولها لنا بولس الرسول وهي عثرة الإيمان:

"إني أتعجب أنكم تنتقلون سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلي إنجيل آخر، هذا الذي ليس هو آخر، لكنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن يحولوا إنجيل المسيح، ولكن إن كنا نحن أو ملاك من السماء يبشركم بغير ما بشرناكم به فليكن محروماً، كما سبقت فقلت أقول الآن أيضاً: إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم، فليكن محروماً" ( غل 6:1)

كررها مرتين، ليؤكد علي أنه أي تغير في الإيمان، يؤدي إلي حرمان الشخص، مهما كان يحمل رتب، أو له شعبية، ولكن أي تغير في الإيمان، يقع علي هذا الإنسان حرمان، ولا يحتاج هذا الشخص أن يحاكم إذا كان سقط في هرطقة أدينت من الكنيسة صراحة وتم حرمان الفكرة وأتباعها، فلا يعتنق أحد أفكار آريوس أو نسطور، لا يحتاج إلي مجمع لحرمانه، إذا أعلن أفكار محرومة كنسياً، يقع عليه نفس الحرمان، لأن الكنيسة تحرم الفكرة ومن يتبعها، وهذ الكلام ذكره مجمع أفسس الأول في قوانيه، أن كل من يعتنق الأفكار الهرطوقية، حتي وإن لم يجاهر بها، يقع تحت الحرمان.

ولذلك فإن العثرة الإيمانية هي أكبر أنواع العثرات، لأن الذي يعثر أحد عن قصد أو غير قصد، ويسقط في أي نوع من أنواع الخطايا..يتوب، حينما توقظه الكنيسة أو يوقظه روح الله، أو يشعر بندم، فإنه يتوب ويعود إلي أحضان الكنيسة، كما رأينا في مثل الإبن الضال، الذي أضاع ميراثه كله، ولكنه قُبل، ولكن الذي يعثر الآخرين في الإيمان، ويُعلم تعليماً خاطئاً، فهو يؤدي إلي موت الآخر، لأن الخلاص بالمسيح نفسه، فالذي يغيرالإيمان، يغير قوة المسيح الخلاصية، لأن المسيح الذي نخلص به هو هو، كما قال ماريوحنا: "نراه كما هو" (1يو 2:3)، وكما قال السيد المسيح: "إن لم تؤمنوا إني أنا هو" (يو 24:8)

إذاً أي تغير في هوية المسيح وفي كيانه، وتقديم المسيح بصورة غير حقيقية، يكون هذا الذي يؤمن به المهرطق ليس هو المسيح، وبالتالي لن يخلص.

ولذلك كانت الكنيسة تري أن الهراطقة يدنسون الكنيسة

ويقول أحد المؤرخين من القرن الأول علي كنيسة أورشليم:

( نشأ بين الشعب شيع كـ "سيمون الساحر" وبعض الأفكار الآخري، الذين دنسوا الفكر، ودنسوا الإيمان، منهم خرج المسحاء الكذبة، والأنبياء الكذبة، والرسل الكذبة، الذين مزقوا وحدة الكنيسة بالتعليم الفاسد الذي قيل ضد الله ومسيحه).

وحدة الكنيسة تُبني علي الإيمان المسلم الذي ليس فيه غش، لذلك حينما أرسل السيد المسيح التلامذ قال لهم: "إذهبوا تلمذوا جميع الأمم عمدوهم بإسم الآب والإبن وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 19:28)

جميع: فلا يقول أحد لنتفق علي بنود معينة، ونعطي مساحة للأختلاف في بنود أخري، ولكن بذلك سيسقط الإيمان. ولذلك فالكنيسة كانت حريصة جداً أن أي شخص ينحرف عن حرف واحد من الإيمان تقوم بحرمانه، تعطيه فرصه ليقدم توبة، ويتراجع عن هرطقته، ويغير أفكاره، ولكن إذ لن يغيرها، فإنه يُقطع، ويقُطع كل من يتبعه أيضاً، ليس في زمنه فقط ولكن في كل الأزمنة.

"الإيمان المسلم مرة للقديسين" ولذلك الكنيسة كانت حريصة أن لا تهادن الهراطقة، فالهراطقة شرسين لأنهم يحملوا صورة شيطانية.


يقول القديس كبريانوس:

(ماذا ينجم عن وجود ذئاب متوحشة لصدر المسيحية وهم الهراطقة والمنفصلون عن الكنيسة تحت إسم المسيح؟ 

وماذا تؤدي إليه شراسة كلاب وسم حيات مميت وقسوة فتاكة، يستعرضها متوحشون في الكنيسة؟

إنه يجب علينا أن نهنئ أنفسنا عندما نعزل هؤلاء عن عضوية الكنيسة، حتي لا يكونوا عوامل فساد بالنسبة للحملان والحمام الذين في كنيسة الله، بصدورهم المملؤة سماً وحقداً).

كل من لا يحمل فكراً ليس من تسليم الكنيسة الأولي، يجب أن يُقطع.

يقول القديس أغسطينوس:

( الأشرار المقاومين لكنيسة الله يقيمون فيما بينهم عهداً ليكونوا أكثر قوة، يحملون روح الوحدة في الشر).

يقول البابا ديسقوروس:

( أعلموا أنه قد نالني آلاماً كثيرة في سبيل المحافظة علي إيمان آبائي القديسين، أما أنتم الذين بنيتم إيمانكم علي صخرة الإيمان القويم، فلا تخافوا من سيول الهراطقة، ولا الزوابع الكفرية)

نحن نقف أمام هؤلاء الهراطقة، لأننا قد أستلمنا كنيسة أمانة في أعناقنا، وقد سلم السيد المسيح الكنيسة للرسل أمانه، يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "أحفظ الوديعة" (2تي 14:1).

فالذي يتهاون في هذة الوديعة هو غير أمين.

كان الأنبا إشعياء المتوحد يعلم تلميذه قائلاً:

( أحفظ نفسك من مجادلة المخالفين، بحجة أنك تريد أن تدافع عن الإيمان، لئلا يؤثر كلامهم فيك فتهلك، إن وجدت كتاباً من كتبهم فلا تقرأ فيه).

لقد علمنا الآباء ذلك: أن كتب الهراطقة لا تُقرأ.

لذلك الكنيسة كانت حريصة ألا تجعل هراطقة يعلمون، لئلا يعثروا البسطاء، فقد واجهت الكنيسة في عصورها الأولي هراطقة علي كل المستويات: 

ـ المتهودين: الذين أرادوا إيمان وسط بين المسيحية واليهودية.

ـ فلاسفة: أرادوا أن يدخلوا فكر فلسفي إلي الكنيسة تحت مسمي أفكار فلسفية مسيحية، ولكنهم قدموا مسيح غير المسيح الحقيقي، الذي جاء ليخلصنا.

" ما سمعته مني بشهود كثيرين، أودعه أناس أمناء يكونوا أكفاء أن يعلموا آخرين" (2تي 2:2)

لذلك فإن الحرص علي الإيمان هو الخوف من عثرة البسطاء، حينما نترك الهراطقة يعلموا داخل الكنيسة، فأننا نجد أن الهرطقة تدخل كمرض خبيث داخل العقول، وتشوه الكنيسة.

فقد أستلمنا كنيسة بإيمان محدد، بأسرار محددة، كل ما نحياه في الكنيسة فهو مُستلم، حينما أستلمنا الأفخارستيا، أستلمناها من المسيح نفسه، ومن الآباء الرسل، وكذلك المعمودية، وباقي الأسرار.

ولذلك لا تظنوا أن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية أضيف إليها إيمان في عصر من العصور، ولكنها هي الكنيسة الوحيدة التي حافظت علي الإيمان دون أن يدخل إليه أي فكر غريب، سواء فلسفي أو أفكار من العالم.

فقد كانت الكنيسة تصلي قداسات منذ العصر الرسولي.

يقول الشهيد يوستينوس من القرن الثاني:

(نحن الساكنون في المدن والقري نجتمع في يوم الأحد للقداس)

وحتي يومنا هذا نحافظ علي هذا التقليد.

ويقول بطريرك روما في القرن الثالث:

( كل الأصوام التي نصومها مأخوذة من تقليد رسولي).

ويقول برنابا الرسول في رسالته عن المعمودية:

( أن المعمودية هي لمغفرة الخطايا، ننزل في الماء أنقياء من الخطايا، ونصعد وفي قلوبنا مخافة الله).


وفي العصر الرسولي كان الكهنوت هو من يحمل سلطان الحل والربط، لأن هذا ما تسلمناه من المسيح:

" نفخ في وجوههم وقال: من غفرتم خطاياهم تغفر، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت"(يو 23:20)

وسلطان الكهنوت هو سلطان المعمودية، والأفخارستيا، والتوبة والأعتراف. أستلمنا إنه لا يمكن لأحد أن يعمد إن لم يكن له سلطان كهنوتي، ففي قوانين الرسل:

(لا نسمح لأحد بالتعميد إلا للأساقفة والكهنة وحدهم ، ويخدم معهم أحد الشمامسة).

وقد حرمت الكنيسة العلامة ترتليان لأنه أنحرف، وأنضم إلي جماعة لا تؤمن بالمغفرة والحل الكنسي، لكننا نأخذ أقواله تاريخياً، يقول:

( إن السلطة في إتمام التعميد منوط فقط بالأساقفة والكهنة، ويخدم معهم الشمامسة)

استلمنا إذاً كنيسة الكهنوت فيها يحمل سلطاناً، وكنيسة الأسرار فيها هي التي تُخلص، لذلك أي إنحراف عن الكنيسة المسلمة، لا يمكن أن يخلص أحد بدونها، ولا يمكن أبداً لأحد أن يصير وفق أهواء هراطقة.

يقول القديس أكليمنضس الروماني في رسالته:

( يجب علينا أن نعمل كل ما أمرنا به ربنا يسوع المسيح في أوقات معينة، نتمم الصلاة علي القربان، والخدمات التي أمر بها الرب، التي تصير بترتيب معين)

ولذلك فالترتيب الذي سلمه لنا الرسل سواء في الإيمان أو في كيفية الحياة المسيحية بالأسرار هو ترتيب إلهي، والطقوس التي تسلمناها هي طريقة الحياة المسيحية، فقد أستلمنا ليتورجيات من مارمرقس وماريعقوب، ومن العصر الرسولي، وكلها تجتمع علي مساحة محددة مشتركة ( من أول أخذ خبزاً علي يديه الطاهرتين( التحول) قبلها يضيف الآباء بعض الصلوات كأستعداد وإعلان إيمان، وحتي يهيئ الشعب لأمور معينة، ويتبعها صلوات أخري، لكن القداس نفسه مستلم من الآباء كاملاً.

وفي خولاجي للقديس سرابيون من القرن الرابع، ثم أكتشافه عام 1894م، في جبل آثوس، وجدوا فيه صلاة تبريك المياة، وتبريك الزيت، ومسحة المرضي، والمعمودية، ورسامات الأساقفة والكهنة.

وفي تعليم الديداخي من الثاني به نفس الصلوات بنفس الصور.

إذاً لقد أستلمنا كنيسة تحمل إيمان محدد، الذي يعلم بغير هذا الإيمان، ليس فقط يقطع نفسه، ولكنه يتحمل دم الذين يعلمهم، ودم الذين يسيروا خلفه، ويحرمهم من الخلاص، ومن الإيمان بالمسيح الحقيقي.

نحن أستلمنا كنيسة، ويجب أن نحافظ علي هذا الإيمان، لأنه به وحده نخلص.

لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Samuel

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق