أيام الخليقة الستة
1: الشمس والقمر
"وقال الله:
لتكن أنوار في جَلَدْ السماء، لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات وأوقات
وأيام وسنين. فعمل الله النورين العظيمين؛ النور الأكبر لحكم النهار، والنور
الأصغر لحكم الليل" (تك14:1-16).
فبعد أن هيأ الله
الأرض للحياة، وبعد أن أنبتت النباتات لإستمرارية حياة الكائنات الأخرى، وقبل أن
يتدرج اللة في عمل الخلق، وجد بحكمته الإلهية أن الارض تحتاج لمزيد من
الطاقة الضوئية والحرارية، بما يتناسب مع احتياجات الإنسان وباقي الكائنات
الحيوانية. فعمل النورين العظيمين: الشمس و القمر.
* ولكن، ما هو
الفرق بين ضوء اليوم الأول وضوء اليوم الرابع؟! ولماذا كان الحديث
عن الشمس والقمر دون باقي مكونات السماء من نجوم وكواكب أخرى؟ وكيف كان هناك
ليل ونهار قبل ذلك؟!
فلنضع أمامنا ثلاثة مواضع حسب التدرج
الزمني لذكرها:
1- في البدء خلق الله السموات والأرض (تك1:1).
2- وقال الله
ليكن نور (تك3:1).
3- فعمل الله
النورين العظيمين (16:1).

وبالمقارنة بين الثلاث عبارات نصل إلى
إجابة السؤال الأول:
1- العبارة
الأولى تقول: "خلق الله"، وعبارة خلق أي أوجد الشيء من لا
شيء.. أوجد السموات من العدم، بكل ما تحتويه من مجرات ونجوم وكواكب وأجسام
مضيئة ذاتيًا، وأجسام تعكس ضوء أجسام أخرى..
2- العبارة
الثانية تقول: "ليكن نور"، ففي هذه المرحلة لم يغير الله شيئًا من
طبيعة مصادر الضوء، وبصفة خاصة الشمس. ولكن ما تم تغييره كان يخص الأرض
نفسها، حيث كانت مُحاطة بكميات كبيرة من الأبخرة.
وكل ما حدث
أنه بسبب توالي برودة الأرض بالتدريج، تكاثفت الابخرة المخيطة بها، وغمرت الأرض
كمياه، وبالتالي تمكن الضوء –سواء من السديم الذي أُخِذَت منه الشمس أو من غيره من
مصادر الضوء المختلفة- من الدخول إلى الأرض.
3- العبارة
الثالثة يكلمنا فيها الوحي الإلهى على لسان موسى النبي قائلًا: "فعمل
الله النورين العظيمين"، ونلاحظ أنه لم يقل "خلق". ومن هذا
نرى أن ما حدث إنما هو تغيير نسبي في طبيعة مصدر الضوء (الشمس)، فعبارة
"عمل" لا تعني الخلق من العدم، ولكنها تعني أنه عمل شيئًا من شيء آخر.
كمثال أن نقول أن
النجار قد عمل هذا الكرسي، ولا نقول أن النجار قد خلق هذا الكرسى!
وهذا ما عمله
الله في أليوم الرابع، حيث وصلت الشمس إلى شكلها وقوتها وإمكانياتها الجديدة كما
نراها الآن، والتي لم تكن متميزة بها قبل اليوم الرابع، ففي هذا اليوم وصلت إلى
ذروة قوتها.. وهذا ما يؤكده العلماء في أن النجوم تمر بمراحل نمو، حتى تصل
إلى الذروة. وبعدها تبدأ قوتها في النقصان التدريجي، حتى تصل إلى مرحلة
النهاية، حيث الانفجار والفناء.
فالشمس لم تُخلَق
في اليوم الرابع من العدم، وإنما تم تطور شكلها وحجمها وقوتها، بعد أن كانت سديمًا
ضعيفًا.
وماذا عن
القمر؟ فالقمر كذلك موجودًا من البدء في عبارة "خلق الله السموات
والارض" (تك1:1)، ولكنه كجسم معتم لا ينبعث منه ضوء.. لذا قيمته واستخدامه
مرتبطًا بالشمس وعملها وقوتها..
مثال: عندما نضع
مرآه في حجرة مظلمة، ثم ننير ضوء خافت جدًا، ثم لو وضعناها أمام أشعة
الشمس.. ففي الحالة الأولى لا نرى المرآة، وفي الثانية نراها ولكن كجسم
معتم، وفي الأخيرة سنراها جسمًا منيرًا بسبب إنعكاس ضوء الشمس عليها.
وهذا ما حدث مع
القمر، فالمرحلة الأولى مع المرآه تمثل القمر في النصف الأول من اليوم
الأول. والمرحله الثانيه تمثل علاقة القمر بالأرض عندما كان مصدر الضوء
ضعيفًا، وكان الضوء المنبعث من الشمس في حالة تكوينها ضعيف، فبالأولى كان ضوء
القمر ضعيف جدًا ولا يكفي للإنعكاس على الأرض..
وهذا يمثل ضوء النصف الثاني من اليوم الأول. وأخيرًا، المرحلة الثالثة تمثل
حالة القمر بعد اليوم الرابع، حيث صار السديم الضعيف شمسًا قوية، أرسلت ضوءها
الشديد الذي وصل إلى القمر، وانعكس عليه إلى الأرض، فظهر كجسم مضيء يعكس لما ضوء
الشمس ليلًا.
وكما أوضحنا
سابقًا، فقد كان الحديث في هذا قاصرًا على الشمس والقمر دون الكواكب الأخرى، بسبب
أن هذا أكثر ما يهم الانسان في كل هذا الكون.. فالشمس هي أقرب نجم للأرض،
ومرتبط بها بقوة الجاذبية، بل أكثر النجوم تأثيرًا على الأرض من جهة الحرارة
والضوء، حتى أن بقاء واستقرار واستمرارية الأرض إنما هو مرتبط بالشمس. ونفس
الحال مع القمر، فهو أقرب جسم سماوي لنا، ومن خلال ضوء الشمس المنعكس عليه ينير
الليل في وسط الظلام، وله علاقة وثيقة معنا من خلال الجاذبية
المتبادلة التي تكون المد والجزر على شواطئ البحار..
أما
عن تعاقب الليل والنهار كظاهرة طبيعية، فهي مرابطة بطبيعة العلاقة بين الأرض
والكيان الذي تدور حول نفسها أمامه، سواء كان شمسًا في اليوم الرابع، أو سديمًا
قبل ذلك.. ومن المؤكد أن الأرض منذ تكوينها، إنما تدور حول نفسها مرة كل 24
ساعة تقريبًا أمام مصدر الضوء الذي أُخِذَت منه وارتبطت به برباط الجاذبية.
وعلى هذا فتعاقب النهار والليل، إنما يرجع إلى اليوم الأول، والتغير الوحيد هو في
درجة إضاءة الأرض نهارا متأثرة بقوة إضاءة المصدر. تلك القوة التي وصلت
ذروتها في اليوم الرابع.

اليوم الرابع
2: الشمس والقمر
وأخيرًا، فحول
عبارة "وتكون لآيات و أوقات و أيام و سنين" (تك14:1). فعبارة
"أوقات وأيام وسنين" سهلة ومفهومة حيث السنة وأقسامها (اليوم)، واليوم
وأقسامه (الأوقات)، وهي تشمل الصباح والظهيرة.. ولكن، ماذا عن كلمة
"آيات"؟
كلمة آيات جمع
آية أي معجزة. فيوجد العديد من الظواهر التي تترتب على العلاقة المختلفة بين
الشمس والأرض، وأيضًا بين الأرض والقمر.. مثل الخسوف القمري و الكسوف
الشمسي.. إلخ. وهذه الظواهر الطبيعية تحكمها قوانين ونظم في غاية الدقة،
لدرجة أنه من السهل التنبؤ بمثل هذه الظواهر لمئات السنين.. وأي خلل أو
تغيير مفاجئ غير محسوب وغير متوقع، إنما نعتبره آية أو معجزة يصنعه
االله لتمجيد اسمه القدوس.
والكتاب المقدس غني بالأمثلة التي تبرز
هذه الآيات:
1- ما جاء في سفر
الخروج عن ضربة الإظلام (خر10): "ثم قال الرب لموسى: مد يبدك نحو السماء
ليكون ظلام على أرض مصر، حتى يُلمَس الظلام. فمدَّ موسي يده نحو السماء،
فكان ظلام دامس في كل أرض مصر ثلاثة أيام. ولم يبصر أحد أخاه، ولا
قام أحد من مكانه ثلاثة أيام. ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في
مساكنهم" (خر21:10-23). .
وهنا نلاحظ أنه
لا يوجد أي تعليل علمي لما حدث، وكانت ظاهرة غريبة من حيث وسيلة الإظلام (رفع موسى
يده)، ومدة الظلام (3 أيام)، ودرجة الظلمة (ظلام دامس thick darkness)، وتوزيع الظلمه (كله ظلام عدا
داخل مساكن بني إسرائيل).
2- ما حدث أيام
يشوع النبي (يش10): "قال (يشوع) أما عيون الشعب: يا شمس دومي على جبعون،
ويا قمر على وادي إيلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من
أعدائه. أليس هذا مكتوبًا في سفر ياشر؟ فوقفت الشمس في كبد
السماء، ولم تعجل بالغروب نحو يوم كامل" (يش13،12:10).
والآية هنا تكمن
لي في مجرد الظلمة لفترة معينة، بل أن الأرض توقفت عن حركتها الدورانية حول نفسها
أمام الشمس لمدة يوم (اليوم الطويل – نهار طويل)! بل توقفت كذلك حركة
القمر.. وما حدث كان بمجرد طلبة يشوع النبى..
3- ما حدث أيام
حزقيا الملك (2مل20): "فدعا إشعياء النبي الرب، فارجع الظل بالدرجات
التي نزل بها بدرجات آحاز عشر درجات إلى الوراء" (2مل11:20؛ إش8:38).
فحركة الشمس الطبيعية هي من الشرق للغرب، وما حدث هو عكس الطبيعة، حيث تحركت الشمس
ورجعت إلى الشرق!
4- الظلمة أثناء
الصلب (مت45:27): عندما حدثت ظلمة على الأرض من وقت الساعة السادسة حتى
الساعة التاسعة. وهذا غير طبيعي، فكيف يكون هناك كسوف للشمس لمدة ثلاثة
ساعات متواصلة؟! وكيف يسبب ويكون الكسوف مرئي في "كل الأرض"؟!
# أما عبارة: أوقات و أيام و سنين:
فبسبب الدقة
المتناهية في علاقة الأرض بالشمس، ودوران الأرض حول الشمس، ودورانها حول نفسها،
نشأ عن ذلك ظهور الأوقات. وكلمة "اوقات" قد تعني أوقات اليوم: سحر
– صباح – ظهيرة – غروب – مساء. وقد تعني أوقات السنة، أي مواسمها وفصولها:
الصيف – الخريف – الشتاء – الربيع.
وعن عبارة
"ايام"، فبدوران الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة كل 24 ساعة ينشأ اليوم
بنهاره وليله. فالجزء المواجه للشمس يستنير ويصير نهارًا، والآخر البعيد عن
الشمس يكون مظلمًا فيكون ليلًا.
وعبارة
"سنين"، فالأرض تدور حول الشمس دورة كاملة في ما يُسمى بالسنة.
وهي حوالي 365.25 يوم، وبالتدقيق 365 يوم، و5 ساعات، و48 دقيقة، و46 ثانية.
وبتعاقب الدوران تتكون الأعوام.
وبهذا كانت الأنوار في جلد الماء، لتفصل
بين النهار والليل، وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين.

تعليقات: (0) إضافة تعليق