قصة إبراهيم وسارة في الكتاب المقدس هي واحدة من أعظم القصص التي تعكس الإيمان بالله والطاعة له، رغم الصعاب والتحديات. تمتد القصة على مدى عدة فصول من سفر التكوين وتروي تفاصيل حياتهما، رحلتهما الطويلة مع الله، والتجارب التي واجهاها. سأقدم لك قصة مفصلة مدعمة بالشواهد الكتابية بطريقة تناسب كل من الكبار والصغار.
1. دعوة إبراهيم: بداية الرحلة مع الله
القصة تبدأ في سفر التكوين، عندما دعا الله إبراهيم (الذي كان اسمه في البداية أبرام) إلى ترك وطنه وعائلته والذهاب إلى أرض لم يسبق له أن رآها.
"وقال الرب لأبرام: «اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك." (تكوين 12: 1)
كان إبراهيم يعيش في مدينة "أور" في بلاد ما بين النهرين، وهي منطقة غنية ومزدهرة. لكن الله طلب منه أن يترك كل هذا وراءه. لم يكن يعلم إلى أين سيأخذه الله، لكن إيمانه العميق قاده إلى الطاعة. كان عمره 75 عامًا عندما بدأ هذه الرحلة، وسارة زوجته كانت معه.
"فذهب أبرام كما قال له الرب، وذهب معه لوط. وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة." (تكوين 12: 4)
ابراهيم و سارة |
2. وعد الله لإبراهيم: "سأجعلك أمة عظيمة"
عندما بدأ إبراهيم رحلته مع الله، قدم الله له وعدًا عظيمًا. وعده بأن يجعله أبًا لأمة عظيمة. هذا كان أمرًا غريبًا وصعب التصديق، خاصة لأن إبراهيم وسارة لم يكن لهما أطفال.
"فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك." (تكوين 12: 2)
بالرغم من تقدم إبراهيم وسارة في السن، لم يفقد إبراهيم ثقته في الله. لكنه بالطبع كان يتساءل كيف يمكن تحقيق هذا الوعد بدون أطفال.
3. الرحلة إلى مصر: اختبار جديد
في رحلتهما، واجه إبراهيم وسارة أول اختبار لهما عندما جاء مجاعة في الأرض التي كانا فيها. قررا النزول إلى مصر. لكن إبراهيم كان خائفًا أن يأخذ المصريون سارة منه، لأنها كانت جميلة جدًا. فطلب منها أن تقول إنها أخته، وليس زوجته.
"وحدث لما قرب أن يدخل مصر، أنه قال لساراي امرأته: «إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر. فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه امرأته، فيقتلونني ويستبقونك." (تكوين 12: 11-12)
بالفعل، أخذ فرعون سارة إلى قصره، لكنه لم يمسها لأن الله تدخل وضرب فرعون وأهل بيته بالضربات. أدرك فرعون الحقيقة وأعاد سارة إلى إبراهيم، ثم أمرهما بالخروج من مصر.
"فدعا فرعون أبرام وقال: «ما هذا الذي صنعت بي؟ لماذا لم تخبرني أنها امرأتك؟ لماذا قلت هي أختي، حتى أخذتها لي لتكون زوجتي؟" (تكوين 12: 18-19)
4. الوعد يتجدد: الله يؤكد عهد البركة
بعد عودتهما من مصر، جدد الله وعده لإبراهيم مرة أخرى، مؤكدًا أنه سيعطي نسله الأرض وسيكون أبًا لأمم.
"فقال الرب لأبرام بعد اعتزال لوط عنه: «ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد." (تكوين 13: 14-15)
5. هاجر وإسماعيل: محاولة بشرية لتحقيق الوعد
مع مرور السنين دون أن يُرزقا بأطفال، بدأت سارة تفقد الأمل في أن تكون أمًا. لذلك، اقترحت على إبراهيم أن يتزوج من جاريتها المصرية هاجر حتى يمكن أن تنجب له وريثًا.
"فقالت ساراي لأبرام: «هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة. ادخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين.»" (تكوين 16: 2)
وبالفعل، أنجبت هاجر ابنًا اسمه إسماعيل، لكن هذا لم يكن الحل الذي أراده الله.
"ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل." (تكوين 16: 15)
رغم أن الله بارك إسماعيل، إلا أنه أكد لإبراهيم أن الوعد سيتم من خلال ابن من سارة.
6. تغيير الأسماء وتجديد العهد
عندما بلغ إبراهيم 99 عامًا، ظهر الله له مرة أخرى، وقدم له عهداً جديداً. في هذه المرة، غيّر الله اسمه من أبرام إلى إبراهيم (الذي يعني "أب لجمهور من الأمم") وغيّر اسم ساراي إلى سارة (التي تعني "أميرة").
"ولا يدعى اسمك بعد أبرام، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني أجعلك أباً لجمهور من الأمم." (تكوين 17: 5)
"وأما ساراي امرأتك فلا تدعو اسمها ساراي بل سارة يكون اسمها. وأباركها وأعطيك منها ابناً." (تكوين 17: 15-16)
كان هذا التأكيد من الله أن سارة نفسها ستنجب طفلًا، رغم أنها كانت تبلغ من العمر 90 عامًا.
7. ميلاد إسحاق: تحقيق الوعد
أخيرًا، بعد مرور عام من وعد الله، تحققت المعجزة. أنجبت سارة ابنًا لإبراهيم في سن الـ 90 عامًا، وسمياه إسحاق (الذي يعني "ضحك") لأنهما ضحكا من فرحة تحقق الوعد.
"فحبلت سارة وولدت لإبراهيم ابناً في شيخوخته، في الوقت الذي تكلم الله عنه." (تكوين 21: 2)
كان إسحاق هو الطفل الذي وعد به الله. هذا الطفل كان رمزًا للأمل والإيمان والطاعة.
إبراهيم وهو يقدم ابنه الوحيد إسحاق ذبيحة |
8. اختبار إيمان إبراهيم: تقديم إسحاق ذبيحة
بعد عدة سنوات، طلب الله من إبراهيم أن يقدم ابنه الوحيد إسحاق ذبيحة. كان هذا اختبارًا عظيمًا لإيمان إبراهيم. ورغم أن الأمر كان صعبًا للغاية، إلا أن إبراهيم أطاع الله.
"فقال: «خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة." (تكوين 22: 2)
عندما كان إبراهيم على وشك تقديم إسحاق ذبيحة، تدخل الله وأرسل ملاكًا ليوقفه، ثم قدم الله كبشًا ليكون ذبيحة بدلاً من إسحاق.
"فمد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه. فناداه ملاك الرب من السماء وقال: «إبراهيم، إبراهيم!» فقال: «هأنذا.»" (تكوين 22: 10-11)
9. موت سارة: وداع الأميرة
عاشت سارة حياة طويلة ومباركة، لكنها توفيت في سن 127 عامًا. حزن إبراهيم بشدة على زوجته الأمينة، ودفنها في مغارة المكفيلة، التي أصبحت أول قطعة أرض يملكها إبراهيم في كنعان.
"وكانت حياة سارة مئة وسبعًا وعشرين سنة، سني حياة سارة. وماتت سارة في قرية أربع (هي حبرون) في أرض كنعان." (تكوين 23: 1-2)
اشترى إبراهيم المغارة من عفرون الحثي، لتكون مكانًا لدفن سارة، وفيما بعد دفن فيها أيضًا.
10. إرث إبراهيم وسارة: إيمان لا ينتهي
قصة إبراهيم وسارة ليست مجرد قصة تاريخية، بل هي قصة إيمان حيّ ومستمر. الله أتم وعده لهما وجعلهما آباء وأمهات لأمم كثيرة. نسل إبراهيم، الذي بدأ بإسحاق، صار شعوبًا كثيرة.
"وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض." (تكوين 22: 18)
إيمان إبراهيم وسارة يعد مصدر إلهام لكل من يسعى للسير في طريق الله، رغم التحديات والصعوبات التي قد تواجهه.
الخاتمة
قصة إبراهيم وسارة هي شهادة على القوة التي تأتي من الإيمان بالله. فقد تحملوا الاختبارات والصعوبات، لكنهم ظلوا أوفياء لوعد الله، حتى وإن بدا مستحيلاً. تظل هذه القصة درساً عظيماً في الصبر، والثقة في الله، والطاعة له.
إنها ليست قصة عن شخصين فقط، بل هي قصة تتحدث عن رحلتنا جميعًا مع الله، وكيف يمكننا أن نكون جزءًا من خطته العظيمة عندما نؤمن ونثق في وعوده.
تعليقات: (0) إضافة تعليق